مساعدات مشروطة وحدود مغلقة.. كيف يحوّل الاتحاد الأوروبي التنمية إلى أداة لصدّ المهاجرين؟
مساعدات مشروطة وحدود مغلقة.. كيف يحوّل الاتحاد الأوروبي التنمية إلى أداة لصدّ المهاجرين؟
في تحول مثير للجدل، كشفت وثيقة داخلية للمفوضية الأوروبية، نشرتها صحيفة "بوليتيكو"، عن خطة تسعى فيها بروكسل إلى ربط مساعدات التنمية المقدّمة للدول الإفريقية بمدى نجاحها في وقف تدفقات المهاجرين إلى أوروبا، هذا التوجه، الذي جاء استجابة لضغوط سياسية متزايدة من أحزاب اليمين، يعكس اتجاها خطيرًا في سياسات التنمية الأوروبية نحو أدوات ضغط جيوسياسية وأمنية على حساب حقوق الإنسان والمبادئ الإنسانية.
وتوضح الوثيقة، التي حصلت عليها "بوليتيكو"، اليوم الأربعاء، أن الاتحاد الأوروبي يعتزم إدخال ما تسميه المفوضية "نهجًا تحفيزيًا مرنًا"، يسمح بتعديل توزيع المساعدات الخارجية استنادًا إلى مستوى التزام الدول الشريكة بإجراءات الحد من الهجرة.
وتشير المفوضية إلى أنه "يجب أن تجمع جميع الأدوات المناسبة والرافعة اللازمة من خلال نهج تحفيزي مرن، مع إمكانية إجراء تغييرات، حسب الاقتضاء، في تخصيص التمويل المتعلق بالهجرة"، ويعني ذلك ببساطة: "أوقفوا المهاجرين، نحافظ على دعمنا"، وفقا للصحيفة الأمريكية.
توسيع تجربة تونس
يبدو أن المفوضية تستلهم نهجها من اتفاقها المثير للجدل مع تونس عام 2023، والذي تبادل فيه الاتحاد الأوروبي الدعم المالي مقابل تشديد تونس قبضتها على الهجرة غير النظامية عبر البحر المتوسط، حيث تسعى بروكسل الآن إلى توسيع هذا النموذج إلى دول إفريقية أخرى، خاصة الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، والتي تمثل المصدر الرئيسي لحركات الهجرة نحو أوروبا.
ووفقًا لبوليتيكو، فإن هذا التوجه يأتي استجابة مباشرة لمطالب أحزاب يمينية مثل حزب الشعب الأوروبي، إلى جانب ضغوط من دول كإيطاليا والدنمارك، الداعية إلى تحويل سياسات التنمية إلى أدوات للردع والضبط الحدودي.
وانتقد حقوقيون ومنظمات دولية هذا الدمج المتزايد بين ملفات التنمية والسياسات الأمنية، ففي تصريحات نشرتها يورو نيوز بتاريخ 8 يوليو 2025، حذّر مسؤول أممي كبير من أن "أوروبا لا يمكنها الانسحاب من شريكها الإفريقي"، مشيرًا إلى أن اشتراط المساعدات بإجراءات مكافحة الهجرة يهدد استقرار العلاقة الثنائية ويقوض أسس التعاون التنموي الحقيقي.
أما هيومن رايتس ووتش فقد نشرت في تقريرها السنوي (يناير 2025) أن "سياسات الاتحاد الأوروبي التي تربط التنمية بالهجرة تُفاقم الانتهاكات عبر الحدود وتُحوّل دول الجنوب إلى حراس حدود بالوكالة".
وفي تطور لافت يعكس حجم التوتر المحيط بهذا التوجه، رفضت الحكومة في شرق ليبيا استقبال المفوض الأوروبي لشؤون الهجرة وثلاثة وزراء داخلية من إيطاليا واليونان ومالطا، ووصفتهم بأنهم "غير مرغوب فيهم".
وبحسب رويترز (8 يوليو 2025)، فإن طرد الوفد جاء ردًا على ضغوط أوروبية غير مقبولة لإجبار ليبيا على تشديد الرقابة على المهاجرين، ما يسلط الضوء على رفض بعض الدول الإفريقية لتحويلها إلى أدوات تنفيذ لأجندات أوروبية داخلية.
المساءلة الحقوقية الغائبة
ربط المساعدات بملف الهجرة يثير تساؤلات حقوقية جوهرية؛ وهي: ما مصير مشاريع الصحة والتعليم والمياه إذا لم توافق الدولة الشريكة على احتجاز المهاجرين؟ من يتحمل مسؤولية انتهاكات محتملة لحقوق طالبي اللجوء الذين يُمنعون من التحرك؟ هل يُستخدم الفقر كأداة ابتزاز سياسي؟
وفقًا لصحيفة "الغارديان"، فإن الصندوق الأوروبي للهجرة في إفريقيا، والذي خصص له 5 مليارات يورو، يعاني من نقص في الشفافية، وتجاهل للمخاطر الإنسانية، وفشل في تحقيق نتائج ملموسة، وهو ما يُثير القلق بشأن توسيع صلاحياته بشروط أكثر تشددًا.
يمثل هذا التوجه انقلابًا واضحًا على فلسفة التنمية الأوروبية، التي لطالما تباهت بأنها غير مشروطة ومبنية على الشراكة المتوازنة، إذ أصبح من الواضح أن المفوضية، مدفوعة بضغوط انتخابية من اليمين الأوروبي، تسعى إلى تحويل المساعدات إلى أداة ردع وهندسة ديموغرافية.
وتقول أستاذة علوم المناخ والبيئة في إمبريال كوليدج لندن، فريدريك أوتو، في سياق آخر: "إذا استمررنا في اتباع رغبات الأقلية المؤثرة وتأجيل الحلول الجادة، فإن مزيدًا من الأرواح ستُزهق"، ورغم أن التصريح ورد في سياق موجات الحر، فإنه يعكس بدقة المنطق السياسي القائم على التسويف والمقايضة، وهو ما نشهده اليوم في ملف الهجرة.
ميزانية 2028–2034
ستُعرض مقترحات المفوضية في إطار ميزانية الاتحاد الأوروبي الممتدة من 2028 إلى 2034، ووفقًا لما نقلته بوليتيكو، تنوي المفوضية دمج برامج المساعدات في "صندوق أوروبا العالمي الموحد"، مقسمًا جغرافيًا إلى ست مناطق، بينها إفريقيا جنوب الصحراء، لكن دون وجود ضمانات لعدم استخدام هذا الصندوق كورقة ضغط، فإن المساعدات قد تتحول إلى عقاب جماعي لمن يرفض التعاون الأمني دون قيد أو شرط.
ورغم دعم تيارات يمينية لهذا التوجه، فإن نوابًا من الاشتراكيين والخضر عبّروا عن قلقهم الشديد، إذ يعتبرون أن تحويل المساعدات إلى أداة لضبط الحدود يشكل خيانة لمبادئ الاتحاد الأساسية، وعلى رأسها احترام الكرامة والعدالة الدولية.
وتعليقًا على هذه التطورات، قالت كلوي بريميكومب، عالمة المناخ في الجمعية الملكية للأرصاد الجوية: "مثل هذه السياسات تُستخدم حاليًا أيضًا في قضايا التقاضي المناخي، وقد تتحول قريبًا إلى قضايا هجرة قسرية وتقييد حركة البشر".
ويبدو أن محاولة استخدام التنمية كعصا سياسية لوقف الهجرة، لن تؤدي سوى إلى تقويض الشراكات، وزيادة الاستقطاب، وتفاقم المعاناة في الجنوب العالمي، بدلاً من معاقبة الفقر، يجب أن تستثمر أوروبا في معالجة أسبابه الجذرية: الفساد، النزاعات، وتغير المناخ.
وقالت كريستي إيبي، الباحثة في مركز الصحة والبيئة العالمية بجامعة واشنطن: "إن مثل هذه السياسات لا تلبّي الحاجة العاجلة لنظام إنذار مبكر واستجابة إنسانية حقيقية"، مضيفة أن التخلي عن التزامات أخلاقية لصالح مكاسب انتخابية سيكون "خطرًا على المدى البعيد".